اللغة فطرية أم مكتسبة (بحث علمي)
في ستينيات القرن الماضي، طرح الدكتور نعوم تشومسكي فكرة ثورية في
مجال اللغويات وهي أننا قد ولدنا مع معرفة فطرية تشكل أساس اكتساب اللغة، وبعبارة
أخرى ان اللغة هي غريزة أساسية للبشر، وقد قوبلت نظريته بنقد كبير إلى اليوم، إلى أن
قدمت دراسة جديدة دليلا دامغا بان تشومسكي كان محقا منذ البداية.
تميز الإنسان بقدرته
على السير منتصبا لمدة طويلة عن باقي المخلوقات، فالسير أمر فطري ومكتسب في آن واحد،
فحين تولد مع كل طفل التقنيات الكامنة التي تمكنه من السير منتصبا، إلا أنه لن
يتمكن من ذلك دون التوجيهات والأمثلة المناسبة كما نشر موقع slate تقريرا عن عائلة تركية يسير أفرادها علة أطرافهم الأربعة.
اعتبر تشومسكي اللغة
مشابهة كثيرا للمشي في هذا الصدد، فعلى الرغم من قدرة البشر على التعلم من خلال
التقليد إلا أن تشومسكي طرح فكرة أن البشر جميعا قد ولدوا مع فهم أساسي للتقنيات
التي تساعد على اكتساب اللغة، وقد أطلق تشومسكي على فكرته المبتكرة اسم: قواعد
اللغة العالمية، وهي ما تجعل البشر قادرين على تمييز الجمل الصحيحة نحويا على
الرغم من افتقارها لمعنى مفهوم مثل جملة (تنام الأفكار الخضراء الباهتة بشراسة).
وقد أظهرت دراسة
سابقة أن جميع الأطفال في مرحلة ما قبل النطق قادرون على تمييز الكلمات عن غيرها
من الحروف المرصوفة حتى دون الحاجة إلى فهم اللغة، لكن الباحثين فشلوا مرارا في
إثبات وجود هذه المعرفة الفطرية في مجال قواعد اللغة.
يقترح الرأي الأكثر
قبولا عن اكتساب اللغة ان البشر يتعلمون اللغة من خلال ملاحظة وحفظ الدلالات النحوية،
حيث تفرض هذه النظرية أن فهمنا للغة يعتمد بشكل كامل على التجربة دون أي دور
للمعالجة الداخلية للغة، غير أن بعض الباحثين من جامعة نيويورك استطاعوا إثبات
إمكانية صحة نظرية تشومسكي من البداية وذلك باستخدام تقنيات حديثة.
وللقيام بالدراسة
استعان فريق الباحثين بمتطوعين كانت وظيفتهم الاستماع لعبارات منطوقة باللغة
الانكليزية ولغة المندرين الصينية ، واحتوت هذه العبارات على جمل متوقعة كعبارة (مدينة
نيويورك لا تنام أبدا) وعلى جمل صحيحة نحويا لكنها غير منطقية أ غير متوقعة
كعبارة(تؤذي الالعاب الوردية الفتيات) ، واحتوت أيضا على قوائم كلمات مثل ( بيض
جيلاتين وردي مستيقظ) وعبارات أخرى تم التلاعب بها ، وقد تم تصميم هذه العبارات
خصيصا بحيث يستبعد منها كل ما يمكّن المستمع من معرفة إذا ما كانت العبارات صحيحة
نحويا أم لا كتغير طبقة صوت المتكلم ، وكفِل ذلك أن معرفة المشاركين بصحة العبارات
نحويا يأتي من دماغهم وليس من العبارات نفسها .
طبق الباحثون مجموعة
من التجارب باستخدام تقنية التخطيط المغناطيسي للدماغ (MEG) "magnetoencephalography" والتي تسمح بقياس
الحقل المغناطيسي الذي يولده النشاط الدماغي مهما كان صغيرا، وتقنية تخطيط كهرباء
قشرة الدماغ (ECOG) "electrocorticography" وهي تقنية سريرية تستخدم عادة في
مراقبة النشاط الدماغي لدى المرضى ممن يحتاجون لجراحة في الجهاز العصبي.
أظهرت النتائج تغير
نشاط الدماغ لدى المشتركين وفقا لنوع العبارة المسموعة جملة أو عبارة أو قائمة
كلمات، حيث دل ذلك على قدرة المشاركين على معالجة القواعد دون الدلالات الواضحة
التي تعلموها سابقا.
وقد وضح الباحث ديفيد
بوبيل " أن الفريق قد ذهب إلى مدى بعيد في تصميم شروط التجربة بالسيطرة على
الدلالات الإحصائية والصوتية التي من الممكن أن تساهم في معالجة العبارات، وتظهر
نتائجها أنه لابد من وجود قواعد في رؤوسنا نستخدمها في معالجة اللغة".
وفقا لبوبيل فإن
الدماغ البشري يلتقط كل كلمة ليتمكن من فهم العبارات والجمل، كما عقب قائلا،
"تظهر الديناميكية أننا نخضع لبنى ذات أساس نحوي عند معالجتنا للغة"،
كما أنه وضح في رسالة لصحيفة Medical Daily أنه على
الرغم من صعوبة أو استحالة إثبات النظريات في بعض الأحيان، إلا أن البيانات التي
جمعت في بحثه تدعم الفرضيات الأساسية لنظرية تشومسكي، وعلى الأخص التي تقول أن
المستمع إلى اللغة ينشئ تراكيبا تأسيسية هرمية مجردة للمعلومات اللغوية التي
تلقاها.
كتب بوبيل "على
العموم أستطيع القول بأن دراستنا التجريبية تفضل وجهة نظر تشومسكي، رغم قلة انتشارها،
على الآراء الأخرى في مجال بيانات الدماغ كبحوث اللغة المقارنة وبحوث اكتساب اللغة
“، وقد أدرك بوبيل التباين في نتائج دراسته حين وجد أن الرأي الأكثر تفضيلا يرى أن
القواعد تكتسب باستخدام دلالات سمعية مثل نبرة الصوت لدلالات إحصائية مثل الانتقال
بين الكلمات.
- المصدر: http://www.syr-res.com/article/9755.html
